فصل: تفسير الآيات (161- 163):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (159):

{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159)}
{سبحان الله عَمَّا يَصِفُونَ} على جميع الأوجه السابقة تنزيه من جهته تعالى لنفسه عن الوصف الذي لا يليق به وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (160):

{إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160)}
{إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} استثناء منقطع من المحضرين وما بينهما اعتراض أي ولكن المخلصون ناجون، وجوز كونه استثناء متصلًا منه ويفسر ضمير {أَنَّهُمْ} بما يعم وهو خلاف الظاهر وجوز كونه استثناء منقطعًا من ضمير {يَصِفُونَ} وكونه استثناء متصلًا منه وهو خلاف الظاهر أيضًا.
وجوز كونه استثناء من ضمير {جَعَلُواْ} على الانقطاع لا غير وما في البين اعتراض، واختار الواحدي الوجه الأول. قال الطيبي: ويحسن كل الحسن إذا فسر الجنة بالشياطين أي وضمير {أَنَّهُمْ} بالكفرة ليرجع معناه إلى قوله تعالى حكاية عن اللعين: {لاَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} [ص: 82، 83] أي أنهم لمحضرون النار ومعذبون حيث أطاعونا في إغوائنا إياهم لكن الذين أخلصوا الطاعة لله تعالى وطهروا قلوبهم من أرجاس الشرك وأنجاس الكفر والرذائل ما عمل فيهم كيدنا فلا يحضرون ويكون ذلك مدحًا للمخلصين وتعريضًا بالمشركين وإرغامًا لأنوفهم ومزيدًا لغيظهم أي أنهم بخلاف ما هم عليه من سفه الأحلام وجهل النفوس وركاكة العقول اه. وفي بيان المعنى نوع قصور وقوله تعالى:

.تفسير الآيات (161- 163):

{فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163)}
{فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بفاتنين إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الجحيم} عود إلى خطابهم، والفاء في جواب شرط مقدر أي إذا علمتم هذا أو إذا كان المخلصون ناجين {فَإِنَّكُمْ} إلخ، والواو للعطف {وَمَا تَعْبُدُونَ} معطوف على الضمير في {إِنَّكُمْ} وضمير {عَلَيْهِ} لله عز وجل والجار متعلق بفاتنين وعدي بعلى لتضمنه معنى الاستيلاء وهو استعارة من قولهم فتن غلامه أو امرأته عليه إذا أفسده والباء زائدة وهو خبر ما، والجملة خبر إن والاستثناء مفرغ من مفعول فاتنين المقدر و{أَنتُمْ} خطاب للكفرة ومعبوديهم على سبيل التغليب نحو أنت وزيد تخرجان أي ما أنتم ومعبودوكم مفسدين أحدًا على الله عز وجل بإغوائكم إلا من سبق في علم الله تعالى أنه من أهل النار يصلاها ويدخلها لا محالة.
وجوز كون الواو هنا مثلها في قولهم كل رجل وضيعته فجملة {مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ} إلخ مستقلة ليست خبرًا لإن وضمير {عَلَيْهِ} لما بتقدير مضاف وهو متعلق بفاتنين أيضًا بتضمينه معنى البعث أو الحمل ولا تغليب في الخطاب كأنه قيل: إنكم وآلهتكم قرناء لا تبرحون تعبدونها ثم قيل ما أنتم على عبادة ما تعبدون بباعثين أو حاملين على طريق الفتنة والإضلال أحدًا إلا من سبق في علمه تعالى أنه من أهل النار، وظاهر صنيع بعضهم أن أمر التغليب في {أَنتُمْ} على هذا على حاله، وأنت تعلم أن الظاهر الاتصال، وجوز أن يراد معنى المعية وخبر إن جملة {مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ} إلخ ويكون الكلام على أسلوب قول الوليد بن عقبة بن أبي معيط عامله الله تعالى بما هو أهلة يحض معاوية على حرب الأمير علي كرم الله تعالى وجهه:
فإنك والكتاب إلى علي ** كدابغة وقد حلم الأديم

قال في الكشف: ومعنى الآية أي عليه أنكم يا كفرة مع معبوديكم لا يتسهل لكم إلا أن تفتنوا من هو ضال مثلكم، وهو بيان لخلاصة المعنى، واستظهر أبو حيان العطف وكون الضمير للعبادة وتضمين فاتنين معنى الحمل وتغليب المخاطب على الغائب في {أَنتُمْ} وكون الجملة المنفية خبر إن. وحكي عن بعضهم القول بأن على عنى الباء والضمير المجرور به لما تعبدون فتأمل.
وقرأ الحسن. وابن أبي عبلة {صَالُو الجحيم} بالواو على ما في كتاب الكامل للهذلي، وفي كتاب ابن خالويه عنهما {صَالِ} بالضم ولا واو. وفي اللوامح والكشاف عن الحسن {صَالُو الجحيم} بضم اللام فعلى إثبات الواو هو جمع سلامة سقطت النون للإضافة، وفي الكلام مراعاة لفظ من أولًا ومعناها ثانيًا كما هو قوله تعالى: {وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ ءامَنَّا بالله وباليوم الأخر وَمَا هُم ؤْمِنِينَ} [البقرة: 8] وعلى عدم إثباتها فيه ثلاثة أوجه، الأول: أن يكون جمعًا حذفت النون منه للإضافة ثم واو الجمع لالتقاء الساكنين وأتبع الخط اللفظ.
الثاني: أن يكون مفردًا حذفت لامه وهي الياء تخفيفًا وجعلت كالمنسي وجرى الإعراب على عينه كما جرى على عين يد ودم وعلى ذلك قوله تعالى: {وَجَنَى الجنتين دَانٍ} [الرحمن: 54] وقوله سبحانه: {وَلَهُ الجوار المنشآت} [الرحمن: 24] بضم نون {الجنتين دَانٍ} وراء {الجوار} وقولهم ما باليت به بالة فإن أصل بالة بالية بوزن عافية حذفت لامه فأجري الإعراب على عينه ولما لحقته الهاء انتقل إليها، الثالث: أن يكون مفردًا أيضًا ويكون أصله صائل على القلب المكاني بتقديم اللام على العين ثم حذفت اللام المقدمة وهي الياء فبقي صال بوزن فاع وصار معربًا كباب ونظيره شاك الجاري إعرابه على الكاف في لغة وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (164):

{وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164)}
{وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} حكاية لاعتراف الملائكة بالعبودية للرد على من يزعم فيهم خلافها فهو من كلامه تعالى لكنه حكى بلفظهم وأصله وما منهم إلا إلخ أي وما منا إلا له مقام معلوم في العبادة والانتهاء إلى أمر الله تعالى في تدبير العالم مقصور عليه لا يتجاوزه ولا يستطيع أن يزل عنه خضوعًا لعظمته تعالى وخشوعًا لهيبته سبحانه وتواضعًا لجلاله جل شأنه كما روي «فمنهم راكع لا يقيم صلبه وساجد لا يرفع رأسه» وقد أخرج الترمذي وحسنه. وابن ماجه. وابن مردويه عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون إن السماء أطت وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك واضعًا جبهته ساجدًا لله» وأخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم. وأبو الشيخ. ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما في السماء موضع قدم إلا عليه ملك ساجد أو قائم وذلك قول الملائكة وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون» وعن السدي {إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} في القرب والمشاهدة، وجعل بعضهم ذلك من كلام الجنة عنى الملائكة متصلًا بما قبله من كلامهم وهو من قوله تعالى: {سبحان الله عَمَّا يَصِفُونَ} إلى {المسبحون} [الصافات: 159، 166] فقال بعد أن فسر الجنة بالملائكة: إن {سبحان الله عَمَّا يَصِفُونَ} حكاية لتنزيه الملائكة إياه تعالى عما وصفه المشركون به بعد تكذيبهم لهم في ذلك بتقدير قول معطوف على {عَلِمَتِ} [الصافات: 158] و{إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} [الصافات: 160] شهادة منهم ببراءة المخلصين من أن يصفوه تعالى بذلك متضمنة لتبرئتهم منه بحكم اندراجهم في زمرة المخلصين على أبلغ وجه وآكده على أنه استثناء منقطع من واو {يَصِفُونَ} كأنه قيل: ولقد علمت الملائكة أن المشركين لمعذبون لقولهم ذلك وقالوا سبحان الله عما يصفون لكن عباد الله الذين نحن من جملتهم برآء من ذلك الوصف، و{فَإِنَّكُمْ} إلخ تعليل وتحقيق لبراءة المخلصين عما ذكر ببيان عجزهم عن إغوائهم وإضلالهم، والالتفات إلى الخطاب لإظهار كمال الاعتناء بتحقيق مضمون الكلام وما تعبدون الشياطين الذين أغووهم وفيه إيذان بتبريهم عنهم وعن عبادتهم كقولهم: {بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجن} [سبأ: 41] وقولهم: {وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ} إلخ تبيين لجلية أمرهم وتعيين لحيزهم في موقف العبودية بعد ما ذكر من تكذيب الكفرة فيما قالوا وتنزيه الله تعالى عن ذلك وتبرئة المخلصين عنه وإظهار لقصور شأنهم وجعل تفسير الجنة بالملائكة هو الوجه لاقتضاء ربط الآيات وتوجيهها بما ذكر إياه وفي التعليل شيء، نعم إن هذه الآية تقوي قول من يقول: المراد بالجنة فيما سبق الملائكة عليهم السلام تقوية ظاهرة جدًا وإن الربط الذي ذكر في غاية الحسن، وقيل: هو من قول الرسول عليه الصلاة والسلام أي وما من المسلمين إلا له مقام معلوم على قدر أعماله يوم القيامة وهو متصل بقوله: {فاستفتهم} [الصافات: 149] كأنه قيل فاستفتهم وقال وما منا إلخ على معنى بكتهم بذلك وانع عليهم كفرانهم وعدد ما أنت وأصحابك متصف به من أضدادها، وإن شئت لم تقدر قل بعد علمك بأن المعنى ينساق إليه وهو بعيد فافهم والله تعالى أعلم. و{مِنَّا} خبر مقدم والمبتدأ محذوف للاكتفاء بصفته وهي جملة له مقام أي {مَا مِنَّا} أحد إلا له مقام معلوم.
وحذف الموصوف بجملة أو شبهها إذا كان بعض ما قبله من مجرور بمن أوفى مطرد وهذا اختيار الزمخشري.
وقال أبو حيان {مِنَّا} صفة لمبتدأ محذوف والجملة المذكورة هي الخبر أي وما أحد كائن منا إلا له مقام معلوم.
وتعقب ما مر بأنه لا ينعقد كلام من ما منا أحد، وقوله سبحانه: {إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} هو محط الفائدة فيكون هو الخبر وإن تخيل أن إلا عنى غير وهي صفة لا يصح لأنه لا يجوز حذف موصوفها وفارقت غيرًا إذا كانت صفة في ذلك لتمكن غير في الوصف وقلة تمكن إلا فيه، وقال غيره: إن فيه أيضًا التفريغ في الصفات وهم منعوا ذلك، ودفع بأنه ينعقد منه كلام مفيد مناسب للمقام إذ معناه ما منا أحد متصف بشيء من الصفات إلا أحد إلا أحد له مقام معلوم لا يتجاوزه والمقصود بالحصر المبالغة أو يقال إنه صفة بدل محذوف أي ما منا أحد إلا أحد له مقام معلوم كما قاله ابن مالك في نظيره، وفيه أن فيه اعترافًا بأن المقصود بالإفادة تلك الجملة وهو يستلزم أولوية كونها خبرًا وما ذكر من احتمال كونه صفة لبدل محذوف فليس بشيء لأن فيه حذف المبدل والمبدل منه ولا نظير له، وبالجملة ما ذكره أبو حيان أسلم من القيل والقال، نعم قيل يجوز أن يقال: القصد هنا ليس إفادة مضمون الخبر بل الرد على الكفرة ولذا جعل الظرف خبرًا وقدم فالمعنى ليس منا أحد يتجاوز مقام العبودية لغيرها بخلافكم أنتم فقد صدر منكم ما أخرجكم عن رتبة الطاعة، وفيه نظر.

.تفسير الآية رقم (165):

{وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165)}
{وَإِنَّا لَنَحْنُ الصافون} أنفسنا أو أقدامنا في الصلاة، وقال ناصر الدين: أي في أداء الطاعة ومنازل الخدمة، وقيل: الصافون حول العرش ننتظر الأمر الإلهي، وفي البحر داعين للمؤمنين، وقيل: صافون أجنحتنا في الهواء منتظرين ما يؤمر.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن الوليد بن عبد الله بن مغيث قال: كانوا لا يصفون في الصلاة حتى نزلت {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصافون} وأخرج مسلم عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض مسجدًا وجعلت لنا ترتبها طهورًا إذا لم نجد الماء» وأخرج هو أيضًا. وأبو داود. والنسائي. وابن ماجه عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم» وهذه الأخبار ونحوها ترجح التفسير الأول.

.تفسير الآية رقم (166):

{وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)}
{وَإِنَّا لَنَحْنُ المسبحون} أي المنزهون الله تعالى عما لا يليق به سبحانه ويدخل فيه ما نسبه إليه تعالى الكفرة، وقيل: أي القائلون سبحان الله.
وأخرج عبد بن حميد. وغيره عن قتادة أنه قال: المسبحون أي المصلون ويقتضيه ما روي عن ابن عباس أن كل تسبيح في القرآن عنى الصلاة، والظاهر ما تقدم، ولعل الأول إشارة إلى مزيد أدبهم الظاهر مع ربهم عز وجل والثاني إشارة إلى كمال عرفانهم به سبحانه، وقال ناصر الدين: لعل الأول إشارة إلى درجاتهم في الطاعة وهذا في المعارف، وما في إن واللام وتوسيط الفصل من التأكيد والاختصاص لأنهم المواظبون على ذلك دائمًا من غير فترة وخواص البشر لا تخلو من الاشتغال بالمعاش، ولعل الكلام لا يخلو عن تعريض بالكفرة، والظاهر أن الآيات الثلاث أعني قوله تعالى: {وَمَا مِنَّا} [الصافات: 164] إلى هنا نزلت كما نزلت أخواتها.
وعن هبة الله المفسر أنها نزلت لا في الأرض ولا في السماء وعد معها آيتين من آخر سورة البقرة وآية من الزخرف {وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا} [الزخرف: 45] الآية قال ابن العربي: ولعله أراد في الفضاء بين السماء والأرض.
وقال الجلال السيوطي: لم أقف على مستند لما ذكره إلا آخر البقرة فيمكن أن يستدل به بما أخرجه مسلم عن ابن مسعود لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى سدرة المنتهى الحديث وفيه فأعطى الصلوات الخمس وأعطى خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لا يشرك من أمته بالله شيئًا المقحمات انتهى فلا تغفل.